بسم الله الرحمن الرحيم
اسمه: هو أبو عبدالله علي بن عبدالله بن علي الحمدان.
وسبب تكنيته بأبي عبدالله مع أن أكبر أولاده الأحياء هو الأخ حمدان, لأن ابنه البكر اسمه عبدالله توفي وهو طفل صغير, فلذلك صار يكنى به.
مولده ونشأته: كانت ولادته في قريته البير في عام 1324هـ, كما هو مدون في حفيظة النفوس القديمة, ومما كتبه حفيده الشيخ سلطان: كنت أسمع أنه ولد عام 1325هـ أو 1326هـ لأن أخاه محمداً ــ رحمه الله ــ ذكر لي خالي عبدالعزيز عن عمته شماء أن أباها علياً ــ رحمهما الله ــ عام 1324هـ, كان يمسك السراج وينظر في وجه أول حفيد له (محمد) ويضاحكه, وتوفي بُعَيْد ذلك بقليل. هذه قرينة أنه ولد عام 1324هـ ــ والله أعلم ــ أ.هـ. وتربى بين أبوين كريمين نشآه تنشئة طيبة على الطاعة والعبادة وحسن الخلق.
وأمه هي: هيا بنت سليمان بن عبدالعزيز الصبيح.
وأخواله هم:
1-عبدالرحمن بن سليمان بن عبدالعزيز الصبيح, والد سليمان أبي عبدالرحمن .
2-عبدالعزيز بن سليمان بن عبدالعزيز الصبيح والد عبدالرحمن أبي خالد وإخوانه, ومنهم محمد أبو سهيل.
وأخواه هما:
وترتيب الوالد الثاني بين أخويه, بين محمد وعبدالرحمن ــ رحم الله الجميع ــ.
وأخته الوحيدة هي: سارة ــ رحمها الله ــ وهي أم أبي عبدالله سعد بن صقر الموسى, وأخته منيرة أم عبدالله ــ حفظهما الله ــ.
وبعد أن بلغ الوالد ــ رحمه الله ــ سن التمييز تعلم في الكتاتيب القراءة والكتابة, على يد معلم القرآن في وقته الشيخ أبي خالد عبدالله بن إبراهيم اليحيا ــ رحمه الله ــ فهو لم يكن ذلك الوقت كبيراً (أي معلم القرآن) ولكنه اتصف بالذكاء والفطنة, فكان مؤهلاً للتدريس, كما حدثني بذلك الخال الكريم عبدالعزيز بن حمدان ــ متعه الله بالصحة والعافية ــ.
وكان حرصهم في ذلك الوقت هو التعلم لأجل قراءة القرآن الكريم, وكان من أكبر اهتماماتهم.
وقد عمل بالزراعة وهو صبي صغير, مساعدة لأهله في تأمين لقمة العيش, إذ كانت الفلاحة في ذلك الوقت هي مصدر المعيشة لما يتحصلون عليه من التمر والبر والدخن وغير ذلك.
وبعد أن بلغ سن الزواج, تزوج زوجته الأولى: أظنها هيا بنت ناصر بن سبهان, وهي أخت زوجة العم محمد بن عبدالله, أم عبدالله (أبي صالح) وأخويه عبدالعزيز وعبدالرحمن وأختيه نورة وهيا . ــ وفق الله الأحياء ورحم الأموات ــ وقد رزق منها بثلاث بنات, ولم يعش منهن أحد, حيث متن وهن صغيرات, فما لبثت زوجته أن توفيت ــ رحمها الله ــ.
وتزوج بعدها بالوالدة سلمى بنت حمدان ــ رحمهم الله ــ , وقد ذكرت قصة خطبتها في ترجمة الوالدة التي نشرت في مجلة العيدية 1430هـ.
وقد رزق من الوالدة بعشرة من الولد سبعة أبناء وثلاث بنات, مات منهم ابنه البكر عبدالله, وابنته هيا, التي بين الأخوين عبدالرحمن وعبدالعزيز ــ تقبل الله الأموات, ووفق الأحياء لما يحب ويرضى ــ.
كان ــ رحمه الله ــ حريصاً على تربية أولاده التربية الصالحة, وعلى مصاحبة الأخيار, و على محافظتهم على الصلاة, فكان يوقظهم لصلاة الفجر وهم صغار,فكان رحمه الله يوقظني لصلاة الفجر وأنا صغير, وكنت أذهب معه للمسجد وأجلس بجانبه, فكلما رآني غلبني النعاس يقوم بتنبيهي حتى يذهب النعاس, ويكرر ذلك مراراً.
كما كان حريصاً ــ رحمه الله ــ على تزويج أولاده من حين يبلغون سن الزواج, فيبادر بذلك, وذلك حرصاً منه على إحصانهم, وأن يرزقوا بأولاد يراهم في حياته.
ومما كتبته الأخت هيا أم ماجد: كان الوالد يكره التلفزيون, يقول هذا صنم.
كنا نقول له: اشتره لنا, وكنا نغار من الذين عندهم تلفزيون, فكان الوالد يقول: إن شاء الله ما يدخل بيتي. عليكم بكلام ربي (يعني القرآن) هذا مهوب نافعكم.
كان الوالد ــ رحمه الله ــ يرغب تسجيلنا في المدرسة أنا وأختي سارة أم فارس. اشترى لنا مراييل، وطعمنا في الوحدة الصحية التابعة للرئاسة العامة لتعليم البنات, أخذ الوالد حفيظة النفوس وذهب بها إلى موظف التسجيل، وقال للوالد حفيظتك تحتاج إلى بعض التعديل, ورجعنا للمنزل، وفي الطريق قابل الوالد أحد معارفه وشكى إليه الأمر، فقال له الرجل: أترك عنك تدريسهن في المدراس، علمهن القرآن. أ.هــ.
قلت: ولم يقدّر الله سبحانه وتعالى أن يدرسن في المدارس الحكومية، ولكنهن تعلمن القراءة والكتابة على بعض إخوانهن في البيت، وبعد ما كبرن تعلمن أيضاً في المدارس المسائية، وأجدن القراءة والكتابة ولله الحمد.
ومما كتبته الأخت سارة أم فارس: كان الوالد ــ رحمه الله ــ غيور علينا لا يريدنا أن نخرج في الشارع إلا بالحجاب, وكان يشتري لنا أحسن العبايات والطرح الجميلة، ولم أرى منه أي تقصير من صغري إلى أن كبرت، ويحفزنا على عدم تركها، وكان لا يرد لي أي طلب إلا بشرط أن أحافظ على الحجاب.
وأذكر موقف من المواقف مما ذكرته أنفاً: كنت أنا وبنات الجيران إذا جاء راعي الفليت (كان في السابق ترش الأحياء القديمة في الرياض بواسطة مكينة يحملها العامل بيده ويدور بها) نلحقه، وفي يوم من الأيام جاء راعي الفليت وكالعادة لحقناه وأبتعدنا عن البيت، وفجأة ما علمت إلا وأبوي ما سكني مع ظهري وذهب بي للبيت وجلدني وقال لي: أنا ما قلت لكِ لا تلاحقين الرجال، وهذا دليل على حبه لنا وغيرته علينا، وهذا من المواقف التي لا أنساها. أ.هـ.
صفاته الخَلْقِّيَةَ والخُلُقِّيَةَ: كان ــ رحمه الله ــ معتدل القامة، متوسط الطول، ومشرق الوجه، كثيف اللحية، كثيف شعر الحاجبين.
واتصف ــ رحمه الله ــ بقوة الشخصية، فكان ذا هيبة ووقار، ومع ما وهبه الله من قوة الشخصية إلا أنه كان رحيماً هيناً ليناً ذا أخلاق كريمة فاضلة. فكان ــ رحمه الله ــ كريماً يبذل ماله في إكرام أضيافه وعلى أولاده، وفي مساعدة المحتاجين من الفقراء وغيرهم، ومن أراد الزواج، فكان يقرض المحتاج منهم ولا يستعجل في سداد الدين بل يمهلهم حتى يسددوا ما عليهم، مع أنه لم يكن من أهل الثراء والغنى، ولكن الغنى غنى النفس، فكانوا يدعون الله له كثيراً حيث فرج كربهم.
وفي أثناء سكنه في قري حصه، وفي أحد أيام البرد القارس، بعد صلاة الفجر وجد رجلاً من البادية كبيراً في السن قد فقد منزل أهله، فأدخله الوالد في بيته وأشعل له النار، فلما أحس الرجل بالدفء، أخذ يدعو للوالد بقوله: الله ينجيكم من لهوب النار، وكان يقول: إذا عينتوا ثواب ــ أسم ولده ــ فقولوا ترا العود هنيا. وبعد إكرام الوالد له خرج به وبحث عن ابنه حتى وجده.
ومما كتبه الأخ عبدالعزيز: كان ــ رحمه الله ــ يصل رحمه، حيث كان يزور خاله عبدالعزيز بن سليمان الصبيح، كل أسبوع بعد صلاة الجمعة، وكذلك يصل بنات إخوانه وأحفادهم، وكذلك أولاد أخته سارة، أبو عبدالله سعد بن صقر الموسى وأخته منيرة. أ. هـ.
وكان ذا حمية لأقاربه إذا أُعتدي على أحد منهم. وقد حصلت له بعض المواقف في ذلك وهي معروفة.
كما كان يتصف ببشاشة الوجه وطلاقة المحيا، وكان ــ رحمه الله ــ مرحاً ذا دعابة وطرفة يتحف جلساءه بالطرفة سجية وبدون تكلف، ومما كتبه الأخ عبدالرحمن: وكان يمازح أولاده وأحفاده ويداعبهم. أ.هـ.
كما كان حاضر البديهة يرد على محاوريه بسرعة وبدون تلعثم أو طول تفكير، وسأورد بعض القصص التي رويت عنه أو سمعناها منه ــ رحمه الله ــ منها:
1-أوصى الوالد أحد أصدقائه أن يبحث له عن بقرة، بعدما انتقل من الرياض إلى البير، وبعد فترة زار الوالد صديقه، فقال له صديقه: يا أبا عبدالله وجدنا لك بقرة طيبة وحسها زين (يعني صوتها) أي أن صوتها متوسط وناعم، قال الوالد: وش علينا من حسها، هل نحن نبيها تذن.
2-صلى الوالد بجماعة من أهل الديرة ( أي أهل البير) في مسجد الضليعة فعندما سلم قال له أحد الجماعة ــ وكان يتصف بالعيارة والمزاح ــ : وراك يا أبو عبدالله تقول: السلام عليكن ورحمة الله، هل نحن حريم؟ فرد عليه الوالد: يوم سلمت شفت عليك ثوب أسود فظننت أنك حرمة (امرأة).
3-مرة كنت أبني أنا والوالد جداراً بارتفاع بلكة واحدة في شمالي الطويلعة لكي يمنع خروج السيل منها, فكان الجدار مائلاً، فمر بنا رجل يعرفه الوالد من أهل ثادق، فسلم علينا، وقال: وش بنيكم في هذا الجدار، وراه مايل، كأنه (زغولة) ثور، فرد عليه الوالد بقوله: أنت عاني من ثادق عشان تشوف جدارنا؟ وش عليك منه!!
4-كان ــ رحمه الله ــ إذا ركب مع أحد أبنائه في السيارة في السفر، فإذا كان لا يسرع، يقول له الوالد: أسرع شوي، أو مبارك نسبق الواقف؟
5-ومما قاله الأخ محمد: اشترك العم محمد والوالد في شراء قمح من أحد المزارعين في الخرج، ولكنه تأخر وماطل في اعطائهم القمح لمدة سنتين أو ثلاث، فقال مرةً العم محمد للوالد: مشينا لرفيقنا نأخذ منه القمح، قال الوالد مستبعداً وفاء البائع بذلك، قال: خله يَقَبَّطَهْ أهون لنا، ثمن نروح نأخذه منه. والروايات والقصص كثيرة ولولا خشية الإطالة لذكرتها.
عمله:عمل ــ رحمه الله ــ منذ صباه بالفلاحة في بلده، كما مر معنا، وبعدما صار شاباً وتزوج، كان يذهب مع إخوانه وأقاربه إلى الرياض للعمل لتأمين لقمة العيش له ولأولاده، وكان عمله هناك في حفر الآبار وفي مهنة البناء وغيرها. يمكث مدة ثم يعود إلى بلده، وكان من ضمن من عمل عنده الملك خالد بن عبدالعزيز ــ رحمه الله ــ في أم الحمام بالرياض.
ومما كتبه حفيده الشيخ سلطان: ولعل ضرورة العيش اضطرته إلى ذلك، وإلا فقد كنا نسمع منه كثيراً ــ المثل المشهور: ــ المُدَبِّر في الدار خير من الحدار ــ أي: أن حسن التدبير حال الإقامة في البلد مع الأهل ولو قل الرزق أفضل من المسفار الذي يتغرب لطلب الرزق، خاصة إذا كان لا يحسن تدبير ماله، وهذا المثل يوافق الحديث الذي رواه الإمام أحمد «لا عقل كالتدبير» وإن كان فيه ضعف. أ.هـ.
وكان ــ رحمه الله ــ يجيد مهنة البناء باللبن والطين، فقد قام ببناء بيته في البير، القريب من بئر الضحيكة، وذلك في عام 1371 أو 1372هـ، ومما كتبه الأخ عبدالرحمن: كما كان يُعد اللبن من الطين، ويشتغل في الليل والنهار، خاصة إذا كانت الليالي مقمرة لبناء بيته في الرياض في حي قري حصة بنت عبدالرحمن، في عام 1387هـ وكان يساعده الإخوان في البناء يناولونه اللبن والطين، حتى ارتفع البناء، حيث لا يستطيعون على المناولة لارتفاع الجدار، ثم اتفق الوالد مع ابن أخته سعد بن صقر الموسى على إتمام باقي بناء البيت مع عمال يساعدونه في ذلك. أ.هـ.
كما كان يجيد البناء بالعروق أي بالطين فقط بدون لبن. وكان مما يجيده أيضاً حفر الآبار القديمة (القلبان) فكان ماهراً في تكسير الصخور بالهيب، (وهو من أدوات الحفر قديماً).
وذكر رحمه الله أنه قد حفر في مسقاة المنيزلة، (وهي عبارة عن بئر صغيرة يشرب منها الناس ويتوضئون منها، ويتزودون من مائها لبيوتهم)، استأجره المؤذن عبدالرحمن ابن زومان ــ رحمه الله ــ لكي يحفر فيها، فنزل الوالد فيها، فلما اشتغل فيها بعض الوقت أحس بكتمة (ضيق في التنفس) لصغر البئر وضيقها، فأخبر ابن زومان أنه لا يستطيع الحفر فيها، فما كان من ابن زومان ــ رحمه الله ــ إلا أن فكر في شيء يُذهب هذه الكتمة، فأحضر تنكة وثقبها من تحتها وملئها بالماء وعلقها في وسط البئر، فصار الماء ينزل بقطرات في البئر فذهبت الكتمة التي كان الوالد يجدها أثناء الحفر، وهذه من اختراعات ابن زومان ــ رحمه الله ــ.
واستمر الوالد ــ رحمه الله ــ في مزاولة الفلاحة وغيرها من الأعمال، حتى يسر الله له وظيفة حكومية، في بلده البير، وهي عضو في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتعين فيها بتاريخ 1/7/1384هـ واستمر فيها إلى أن انتقل بعمله إلى الرياض في عام 1387هـ. في قري حصة بنت عبدالرحمن ــ رحمها الله ــ ومما قاله الأخ عبدالرحمن: وكان رحمه الله إذا أذن الفجر يقوم بضرب بعض أعمدة الكهرباء لإيقاظ الناس لصلاة الفجر.أ.هـ. ثم انتقل عمله ليكون عضواً في هيئة الديرة بالرياض، وكان رئيس المركز آنذاك، الشيخ إبراهيم بن عبدالله الغيث ــ وفقه الله ــ، ومما كتبه الأخ محمد: في أيام عمله في هيئة الديرة، طلب إجازة لمدة شهرين، فامتنع عن إعطائه إجازة، ولكن الوالد أصر على أخذ الأجازة، وبعد مضي شهر استدعاه الشيخ إبراهيم الغيث، وقال للوالد: وينك من شهر ما شفناك، قال الوالد: أخذت إجازة، قال الغيث: تأخذ إجازة بدون موافقة. ألحق بأهلك، قال الوالد: جزاك الله خيراً, وخرج, فاستدعاه الغيث، وقال: وين تروح؟ قال الوالد: ما قلت ألحق بأهلك، قال الغيث: انتهى شهر من الإجازة وبقي شهر. أ.هـ.
ومما كتبه الأخ عبدالعزيز: في أثناء عمله في هيئة الديرة قبض أفراد الهيئة على رجل ارتكب مخالفة، وكان المعتاد أن إمساك المخالف يكون بإمساك كم إحدى يديه بطوي أوله بيد رجل الهيئة، لأنها أوثق في الإمساك به، وقد أمسك الوالد أحد المخالفين بهذه الطريقة، وفي أثناء ما كان ماسكاً به، فإذا بالرجل يجر يده بقوة شديدة، فتمزق كمه وبقي منه ما كان الوالد ماسكاً به، وهرب ذلك الرجل. أ.هـ.
كان ــ رحمه الله ــ يذهب إلى عمله في الديرة والبديعة على قدميه ماشياً والمسافة بين الديرة وبيته قريباً من ثلاث كيلو، وبين البديعة وبيته قريباً من كيلو ونصف، وقليلاً ما كان يركب السيارة.
ثم بعد ذلك انتقل إلى مركز هيئة البديعة، وكان عمله في الصباح يجلس عند بوابة العيادات الخارجية قسم النساء، هو وأحد زملائه في العمل لمنع اختلاط الرجال بالنساء عند البوابة، ومنع دخول الرجال لقسم النساء. وقرب الأذان يذهب ينبه أهل المحلات للصلاة.
ثم انتقل إلى هيئة العليا، وكان رئيس المركز آنذاك, الشيخ صالح بن غانم السدلان ــ رحمه الله ــ ثم انتقل إلى مركز هيئة حي الملك فهد، وكان زميلاً للعم الكريم أبي خالد عبدالعزيز بن عبدالله الغصاب ــ رحمه الله ــ زميلاً له في هيئة العليا و حي الملك فهد، يذهبان سوياً ويعودان سوياً في سيارة أبي خالد ــ رحمه الله ــ.
وعندما بلغ سن التقاعد مدد له خمس سنوات، ثم انتقل بعمله إلى بلدة البير في شهر شعبان 1404هـ، وبعد أن انتهى التمديد، تم التعاقد معه على راتب مقطوع، وبقي في عمله إلى حدود عام 1415هـ.
عبادته: كان ــ رحمه الله ــ صاحب عبادة، من صلاة وقراءة للقرآن الكريم وذكر لله عز وجل ودعائه، وإحساناً إلى خلقه، كما مر معنا.
فكان ــ رحمه الله ــ محافظاً على قيام الليل لا يتركه حضراً ولا سفراً، فكانت مدة صلاته آخر الليل قريباً من الساعتين إلى الثلاث ساعات، خاشعاً متضرعاً بين يدي الله عز وجل، وكثيراً ما كنا نسمعه يبكي عند قراءته لكتاب الله، لا سيما في صلاة الليل. ومما يذكر له في ذلك ــ رحمه الله ــ أن إحدى زوجات إخوتي استيقظت ليلة فرأت الوالد ــ رحمه الله ــ يصلى ويقرأ في سورة طه, يردد هذه الآية: {وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما} يكررها ويبكي.
ومما كتبته الأخت هيا أم ماجد: زار عمي محمد الوالد ــ رحمهما الله ــ في منزله، وأثناء حديثهما سأل عمي محمد الوالد: كم قرأت يا أخي من القرآن البارحة، قال الوالد: الله يخلف علينا، ما قرأت إلا تسعة أجزاء. أ.هـ.
كما كان محافظاً على صلاة الضحى، وعلى تلاوة القرآن الكريم، وربما كان يختم القرآن في ثلاثة أيام أو تزيد قليلاً، وقد أكسبته طاعة الله عز وجل نوراً في الوجه، فكان ــ رحمه الله ــ يتلألأ وجهه نوراً ووضاءة.
ومن حرصه على الصلاة مع الجماعة أن تَعَلّم ــ رحمه الله ــ قيادة السيارة في حدود عام 1408 هـ تقريباً، لكي يذهب بها إلى المسجد، وقد تعرض ــ رحمه الله ــ لبعض الأضرار من جراء قيادته للسيارة، حيث لم يتعلمها إلا بعد أن كبر سنه واحتاج إليها، لبعد المسجد عنه.
وقد متعه الله بالصحة والعافية، فكانت تعتريه بعض الأحيان عوارض صحية، ولكنه ــ رحمه الله ــ كان جلداً لا يشتكي ولا يتأوه ويتحمل ويصبر، وكان لا يحب الذهاب إلى المستشفيات، ولا تناول الأدوية من حبوب وغيرها، مثل عادة كبار السن، الذين لم يألفوا المستشفيات. وأذكر مرة أنه أصابه عارض صحي وهو في البير فألححنا عليه بالذهاب إلى مستوصف ثادق، فذهبت به وتم الكشف عليه وصرف له الدواء، ولما رجعنا ونحن في منتصف الطريق بين ثادق والبير، فإذا به يفتح النافذة ويرمي ما معه من الدواء، فسـألته لماذا رميت الدواء؟ قال: العافية من الله.
وهذا يبين ما ذكرته أنفاً من أن كبار السن لا يحبون الذهاب إلى المستشفيات إلا عند الضرورة القصوى، وأنهم يفضلون الصبر والتوكل على الله فيما أصابهم من أمراض، إلا ما يستدعي إجراء عملية جراحية، فهذه ضرورة لا بد منها، فقد أجريت للوالد ــ رحمه الله ــ عملية الفتق، وعملية البواسير، وعملية اخراج الماء الأبيض من إحدى العينين.
مرضه ووفاته: في ضحى يوم السبت 28/2/1420 هـ ذهب الأخ المكرم أبو خالد محمد ــ وفقه الله ــ إلى الوالد، فوجده يتمشى بين النخل في الطويلعة، فأخذه هو والوالدة ــ رحمهما الله ــ بسيارته إلى منزله لتناول طعام الإفطار عنده، فلما دخل الوالد منزل الأخ محمد أخذ يتجول بين النخيل ثم جاء ودخل المنزل فأحس بتعب، ومما كتبه الأخ محمد: ورقد، وكان العرق يتصبب من جبينه، وعجز عن النهوض للجلوس، ولما أحس بانزعاج من حوله مما أصابه، قال: لا ترتاعون ما جاني إلا حقي (يعني الموت) قربوا النعش. أ.هـ.
فاستدعي له طبيب المستوصف الدكتور رمضان أبو سيف -رحمه الله- وبعد الكشف عليه أوصى أن ينقل إلى مستشفى حريملاء، وكان ــ رحمه الله ــ يشتكي من مرض في القلب ولكن أولاده لم يعلموا بذلك إلا في وقت متأخر، لأنه لم يخبر أحداً بذلك وإنما كان يصبر كعادته.
ثم إنه ذهب به الأخ محمد وابنه خالد إلى مستشفى حريملاء، وبعد الكشف عليه أدخل العناية المركزة في ذلك اليوم، وبقي فيها تحت الملاحظة، وقد جرت مكاتبة بين مستشفى حريملاء والمستشفى العسكري لكي ينقل إليه، ولكنهم لما رأوا التقرير، وأنه كبير في السن لم يتجاوبوا في نقله. وقد كان يزوره بعض أقاربه ومحبيه فيتحدث إليهم وكأن ليس به بأس، وكان يرغب الخروج من المستشفى، لعدم رغبته في الجلوس فيه، وكان مما قاله عندما زرته: أخرجوني من المستشفى، فقلت له: كيف تخرج وأنت بهذه الحالة، والبقاء هنا أحسن لك، فقال ــ رحمه الله ــ : أريد أن أخرج ولو مت بعد خروجي مباشرة.
فبقي ــ رحمه الله ــ في المستشفى إلى أن وافاه الأجل المحتوم الذي كتب على كل حي. وذلك في ظهر يوم الخميس 3/3/1420هـ الساعة الثالثة.
وفي صباح يوم الجمعة ذهب الإخوة الكرام عبدالله ومحمد وعبدالرحمن إلى البير ليحفروا قبره، وساعدهما في ذلك عامل المزرعة، وقد كان الوقت صيفاً والجو حاراً . ــ فجزاهم الله خيراً وأحسن إليهم ــ.
وبقي في المستشفى إلى صباح يوم الجمعة 4/3/1420 هـ ، حيث ذهبت أنا وبعض أحفاده الشيخ سلطان وأخيه نايف والابن عبدالرحمن، وتسلمناه من المستشفى وذهبنا به إلى منزله في البير، وقد شارك في تغسيله وتكفينه الوالدة الكريمة والأخ عبدالرحمن وكاتب هذه الترجمة وحفيداه خالد وسلطان، ومما يذكر في ذلك أنه لم يخرج منه أي فضلات، مع أنه أنقطع عن دورة المياه منذ دخل المستشفى قبل موته بأيام. وحمل في السيارة للصلاة عليه، وبعد صلاة الجمعة أدخل للمسجد للصلاة عليه، وقد أم المصلين بالصلاة عليه حفيده الشيخ خالد بن محمد ــ وفقه الله ــ وقد كان المسجد ممتلأً وصلى صف واحد في سرحة المسجد، وبعد الصلاة عليه ــ رحمه الله ــ حمل على الأعناق من المسجد إلى القبر المعد له في مقبرة الجنوب. وقد شهد جنازته جمع كثير من الأقارب ومن أهل البير وغيرهم.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجمعنا به ووالدتنا وذرياتنا وجميع المسلمين والمسلمات في جنات النعيم آمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وكتبه ابنه
إبراهيم بن علي
الأربعاء 5/6/1431هـ